شُّكْرُ النِّعْمَةِ من أجلّ وأطيب الصفات التي يجب أن يتصف بها المسلم حقًا وهي من مكارم الأخلاق والمسلم يشكر كل من قدم إليه خيرًا، أو صنع إليه معروفًا، ويتحقق شكر الله بالاعتراف بالنِّعم، والتحدث بها، واستخدامها في طاعة الله، كلمة شكر هي الجزاء على الإحسان، والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان.
كان الشكر خلقًا لازمًا لأنبياء الله- صلوات الله عليهم-، يقول الله- تعالى- عن إبراهيم عليه السلام في سورة آل عمران “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”.
ووصف الله- عز وجل- نوحًا -عليه السلام- بأنه شاكر، فقال تعالى في سورة الإسراء “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” والله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بنعم كثيرة من صحة وعافية وملبس ومأكل ومشرب ومسكن وأمن وأمان، ولكن ترى كثيرًا من الناس في مجتمعنا لايشكر ربه ويحمده على هذه النعم فدئمًا متذمر متسخِّط جازع لايرى ما في يده بل مافي أيدي الناس ويرى من هو أعلى منه ولايرى من هو أقل منه.
تجد الواحد منا يتنعم بصحة وعافية ووظيفة وسيارة جديدة وأنعم الله عليه بالزوجة والأولاد والاستقرار ومع ذلك متسخِّط متذمر لايرى خيرًا قط، دائماً يتشكي من حاله يريد العلو والكمال ولا يرضيه شي.
وما جعلني أكتب هذه المقالة موقف مر بي سأرويه لكم “في أحد الأيام الماضية القريبة زارني صديقان أعرفهما منذ زمن بعيد أحدهما صاحب وظيفة مرموقة براتب يتعدى الخمسة
عشر ألف ريال وسيارة سعرها يتعدى المائتي ألف ريال وأموره على أكمل وجه، والآخر بوظيفة مراسل بأحد الدوائر الحكومية براتب لا يتعدى الأربعة آلاف ريال وأموره عادية جداً، تجاذبنا أطراف الحديث مع بعضنا عن كثير من الأمور نتنقل بين موضوع وآخر فتبين لي من خلال حديثهما أن صاحبنا الذي أموره على أكمل وجه حاله ساخط متذمر جازع لا يرضيه شي يتويَّل من حاله وكثيرًا ما يتحدث عن مستقبله ومستقبل أبنائه بخوف ووجل وجزع قليل التوكل على ربه يشتكي من كل شي، أما صاحبنا المراسل وهو كبير في السن قليلًا فتعجبت من أمره لسانه رطب بشكر ربه على النعم البسيطة التي أنعم الله عليه بها وتوكله وثقته بربه كبيران يردد دائماً من رزقنا يرزق أبناءنا لا يرى مَنْ أعلى منه بل يرى مَنْ دونه، ويلوم صاحبنا الآخر بقوله (اتق الله في نفسك واشكر ربك) فأنت في خير كثير”.
إخواني القراء من هذا الموقف تعجبت، فما الذي جعل المراسل شاكرًا مرتاح البال مع أن أموره عادية والآخر جازع متسخِّط مع أن أموره على أكمل وجه، أعتقد أنها القناعة والتوكل والثقة بالله التي يتميز بها المراسل عن صاحب الوظيفة المرموقة التي لم تغنه وتجعله سعيدًا راضيًا؟؟؟
وهذا الحال ينطبق كذلك على مجتمع النساء فتجد منهن شاكرة راضية بحالها وجمالها وزوجها ووضعها المعيشي وتجد وهو الأغلب من لا يرضيها شي دائمًا تلهث خلف ملذاتها دون توقف بلا شكر وتحمد على ما أنعم ربها به عليها.
وفي الختام أقول لنتق الله في أنفسنا ونكثر من الحمد والشكر لله على كل نعمة أنعم الله بها علينا فهناك نعم لاتراها أيها الإنسان الضعيف تعتقد أن النعمة هي نعمة المال فقط؟؟، أنت بصحة وعافية وغيرك على سرير المرض، وأنت بعقل وإدراك وغيرك بمرض نفسي، وأنت رزقت بذرية وغيرك عقيم، وأنت مقبول في مجتمعك محبوب وغيرك منبوذ لسوء خلقه وطبعه، وأنت تتمتع بوظيفة وغيرك عاطل، وأنت في مسكن ملك وغيرك بشقة مؤجرة، وأنت بين أهلك وذويك وغيرك بغربة وبُعد عن الأهل، وأنت ترى والديك وتبرهما وغيرك قد توفي والداه ولم يبرهما أو أجبرته الظروف على فراقهما لطلب رزق ونحوه، وأنت أتاك رزقك بالقرب من بيتك وغيرك يقطع الأميال والمسافات لطلب رزقه. وأنت وأنت وأنت وأنت وأنت، إلى ما لا نهاية وأنا أكتب عن نعم الله علينا التي فقدها غيرنا ولا نشكره عليها إلى متى هذا الجزع وعدم التوكل لنعوِّد أنفسنا على ترطيب ألسنتنا بشكره وحمده على كل نعمه نتنعم بها من خالقنا ورازقنا. والله من وراء القصد
بريدة – الطرفية
Powered by WPeMatico
لا دلائل