( "مانديلا" هل مات شهيدا؟ )

| غير مصنف | 14 ديسمبر, 2013

mansor-logo

( “مانديلا” هل مات شهيدا؟ )

الجمعة,10,صفر,1435 الموافق 2013,كانون اﻷول (ديسمبر),13

 

 

الشعوب المظلومة دائمًا تتحيز للمظلوم وذلك لأنها تجد فيه بعض حاجتها من دواءٍ لعيّها وبُرء لدائها وشفاء لسُقمها فلا جرم إن مالت له بعض القلوب اليائسة والأنفس المكلومة والشعوب الحائرة.

ولا ريب أنّ العدل والقِسط مطلب لكل أحد، وخاصة حين تقاسي المجتمعات من الآلام والجراحات التي ربما أخرجتها حتى عن مادة العقل والحكمة للتخلص من الظلم بأي وسيلة ولو عن طريق بتر عضو من أعضائها ليصلح الباقي.

ومن المعلوم المفهوم عند كل أحد أن العدل قامت عليه السماوات والأرض، والله الملك الحقَ المبين لا يُظلم عنده أحد وإن تك مثقال حبة من خردل أتى بها وعامل عليها.

 وعندما كان العدل من صفاته جل جلاله أمر به خلفاءه على الأرض ليقوموا به في الناس؛ لأنه الأمر الذي تصلح به الأحوال والمبدأ الذي يتفق عليه حتى اللصوص المجرمون والظلمة العابثون .

أيها القارئ الكريم..

أجد نفسي أمام ملفات ضخمة ومقالات تملأ البر والبحر وتعاطف عالمي وصل حتى العمق العربي وذلك بعد موت زعيم الجنوب الإفريقي “نيلسون مانديلا” والذي كان يرمز له البعض بالكفاح ضد التمييز العنصري في بلاده حتى أصبح شخصية بارزة بسبب مواقفه أمام الأقلية المتسلطة من البيض ومواجهته للعنصرية المقيتة في إفريقيا والتي كانت تتخذ السود كأدوات كاسدة لا قيمة لها رغم كثرتهم.

هذا التصفيق العارم للشعوب لا نستطيع حبس أنفاسه مادام يصفق لـ”مانديلا” على أساس كفاحه في مواجهة العنصرية المقيتة ومواجهة الظلم غير المبرر لهم وقد مدّ أطنابه على الأرض، ثم زاد من مكانة “مانديلا” سعيه للاستقلال التام عن كل معتد غاصب للأرض منتهك للعرض.

ثم تلا مشهد المواجهة للعنصرية والمطالبة بالاستقلال سجنه أكثر من ربع قرن على هذا الأساس، مما زاد من تعاطف الناس معه أمام ما يدعو إليه ويؤمن به.

“مانديلا” لم يكتفِ بعنصرية اللون، بل تعلم جملة من الديانات المتعددة ليرسم بها استعطافًا عالميًا أمام الكيان المتسلط الأبيض، بل إنه تعلم جملة من مبادئ الإسلام لاستعطاف المسلمين هناك.

ولم يألُ جهدًا في الحديث عن عنصرية اليهود في فلسطين وقال:إن استكمال استقلال جنوب إفريقيا لا يمكن أن يتحقق إلّا بتحرر فلسطين واستقلالها”.

وزيادة على ذلك، فقد أصبح مانديلا ضمن لائحة الإرهاب لدى أمريكا ولم يُنزع من اللائحة حتى نجح في الاستقلال ومكّن الأغلبية من الحكم وأصبح بالفعل هو الحاكم الأول من السود..

وهاهو “مانديلا” يغادر الدنيا على أصوات من الثناء العالمي بسبب تبنيه الحرب على العنصرية ودعمه للاستقلال.

كل ما كُتب هاهنا من محاربة للعنصرية المقيتة ودعوة جادة لإلغاء التمييز على أساس اللون أو العرق ليس يجهلها الإسلام، بل هي مبادئ إسلامية قبل أن تكون مبادئ إنسانية، فالإسلام هو الذي رفع بلال وصهيبا وعمارا بعد ما عاشوا ردحًا من الدهر تحت سوط العنصرية والتمييز.

وجاء وحي السماء بالحديث عن فطرة الشعوب والقبائل على اختلاف ألوانها وأجناسها وأنه لا تمييز بينهم إلا بحجم الحبال الممتدة إليه سبحانه.

ولذلك عندما رأينا هذه التعاليم المواجهة للعنصرية المقيتة والموافقة للعدل موافقة لروح الإسلام رأينا تعاطفًا كبيرًا حتى لدى المسلمين مع حدث الوفاة.

أيها القارئ الكريم…
الهم أو الحزن على موت “مانديلا”أو ذكر شيء من مآثره ليس بِدعا من القول ولا جديدا من الحديث، فقد بكى النبي- صلى الله عليه وسلم- على عمه حين مات وماتت خديجة رضي الله عنها في نفس السنة حتى سمي ذلك العام بعام الحزن.

وقد كان حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتنفه أمران:

الأول: بكاؤه على موت عمه على غير ملة التوحيد

والثاني: حزنه لمواقفه المشرفة في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رغم ما هو فيه من الشرك بالله سبحانه، فلا يستغرب التعاطف مع “مانديلا” وغيره ممن لهم صبغة حسنة في الناس مادام الأمر لا يعدو عن ذكر المآثر دون إطراء مبتذل.

لكن المستغرب أن يجر التعاطف والحزن بعضنا لأبعد من ذلك وذلك حين يتدخل أحدنا في معاملات السماء التي هي لله رب العالمين، وقد أمرنا الله جل جلاله بالإيمان بها دون تردد أو شك أو ظن وليس لنا أن ندّعي الرحمة أكثر من الله سبحانه وقد فصّل لنا ما حرّم علينا وهو أعلم بذلك منا !!

ومما لوحظ من المخالفات الظاهرة ذلك الدعاء له بالرحمة أو المغفرة مع أن القرآن شاهد واضح على تحريم الاستغفار لمن مات على غير ملة الإسلام، فقال جل جلاله “ما كَان للنَّبِي والذين آمنوا أن يَسْتَغفروا للمشركين ولو كانُوا أُولي قربى من بعد ما تَبيّن لهم أنَّهم أصحابُ الجحيم”.

عقيدتنا لا نداهن ولا نحابي فيها أحدًا، خاصة في شأن الآخرة، فإن الله جل جلاله أخبر وبيّن وليس هناك مجال عند مؤمن للشك والتردد، فقد قال سبحانه:

 ”ومن يَبْتغِ غير الإسلامِ دينًا فلنْ يُقْبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.

وقال صلى الله عليه وسلم “والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار”.

فيجب أن نفرِّق جيدًا بين معاملات الدنيا ومعاملات الآخرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم امتدح جملة من المشركين حتى بعد موتهم منهم حاتم الطائي والنجاشي قبل إسلامه وأقر الثناء على ابن جدعان واستشهد ببيت من شعر لبيد وعده أصدق بيت، إلى غير ذلك وهذه معاملات دنيوية بحتة وثناء عام يحمد عليه كل من فعل معروفًا وهو من العدل الذي أمرنا الله جل جلاله بالقيام به.

وكذلك أمرنا بالعدل والقسط معهم وعدم ظلمهم وخيانتهم وبيّن لنا تعاليم الإسلام الخالدة في التعامل مع الكفار بأنواعهم الذمي منهم والمستأمن والمعاهد والمحارب وغير ذلك مافرط الله جل جلاله في ذلك من شيء.

وأما أمور الآخرة وما فيها من جزاء وحساب فذلك ليس لنا فيه شيء، بل هو سلطانه وحده لا شريك له وقد بيّن لنا حكمه في الآخرة أن نعيمه لا يكون إلا للموحدين له جل جلاله .

 

“لفتة أخيرة “

بعض من رواد الثورات العربية ربما يستعمل ورقة ثورة مانديلا كدليل لكفاحه ونضاله، لكن الواقع يشهد بغير ذلك وكلمات مانديلا للعرب كانت واضحة وصريحة لأنه يرى جيدا ما عليه العرب من كذب في مزاعم التغيير حيث قال:

(أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعًا واسعًا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت “لجنة الحقيقة والمصالحة” التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر. إنها سياسة مرة لكنها ناجعة).

وهذا الذي لن يفعله العرب أبدا وإن زعموا ذلك، فإن أغلب ثوراتهم قامت على أساس الخبز والطعام والسيادة والرئاسة وهذا ما تخلى عنه مانديلا بعد أربع سنوات من الرئاسة بينما الأكثر من العرب كان همه الانتقام والمشاركة السياسية البحتة.

ثم إن أنظمة الإسلام الخالدة المستمدة من الكتاب والسنة الصحيحة تجعل العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة بأمان وتعطي دروسًا في التغيير لو تأملها المسلمون جيدا ولكننا ضيعنا دروسًا كثيرة أمام طمع النفوس وحنق القلوب والمشي خلف خطط المغرضين على بلادنا الإسلامية واتحاد كلمتها .

وأختم باستدلال مانديلا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم مخاطبا متظاهري العرب قال:

أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

 

                                           د . ناصر بن عبالرحمن بن ناصر الحمد

                                            إمام وخطيب جامع القفاري

                                              والمشرف العام على مؤسسة شباب اليوم

 



 

د . ناصر الحمد

تقييم: 
Select ratingالتقييم 1/10التقييم 2/10التقييم 3/10التقييم 4/10التقييم 5/10التقييم 6/10التقييم 7/10التقييم 8/10التقييم 9/10التقييم 10/10
معدّل التقييم: 1 (1 صوت)

Powered by WPeMatico

لا دلائل

  

اترك تعليقاً