الحقيقة ، مفهوم رفيع في الذات النقية ، من يمتلكها يمتلك نواصي السمو ، لذلك نجد الكثيرين يدعون بأفعالهم أو بأقوالهم امتلاك الحقيقة ، ليحظوا بمكاسب يطمحون إليها . وفي سبيلها يحاربون كل من يدعي حقيقة ربما تنقض ما يدعون امتلاكه ، بل ويعتبرونهم أشرارا يجب الحذر منهم ومن أفكارهم ووبال ما يدعون إليه .
في مجتمعنا الناشئ مَن يؤمن بامتلاكه الحقيقة الكاملة التي فيها الخلاص من تعقيدات الواقع إلى غد مشرق ، ويروج لأفكاره بكل ما يستطيع من الأدوات ، وهذا على ما فيه من أفلاطونية ونرجسية أعتبره جميلا . لكن غير الجميل في الأمر يكمن في إقصاء الآخر وتشويهه وشيطنته .
التياران الأبرز في مجتمعنا يتصارعان صراعا مريرا ، وكل واحد منهما يدعي امتلاك الحقيقة الكاملة التي لا يملك التيار الآخر جزءا منها يتكامل مع ما يملكه هو ، ويتنافس كل منهما على استمالة السلطة ، وتأليبها على الآخر ، في مد وجزر لا يدفع فاتورته الباهضة سوى الوطن .
الحقيقة ـ في حقيقتها ـ مفهوم ممتد في زمنيته لا يأتي كُلا متكاملا ، فمن يمتلك جزءا منه يجب أن يتأنى للحصول على الأجزاء الأخرى ، ولا ضير إن وجد ذلك الجزء لدى منافسه فربما من تمازجهما يتولد الجزء الثالث وهكذا .. ؛ فالأنانية ألدّ أعداء الحقيقة ، ولنتجول في تاريخ الأفكار الإنسانية لنكتشف أن الأفكار بكل دهشتها الأولى لا تأتي كاملة ، ولا يمتلكها عقلٌ وحيد ، بل تتحول وتتغير وتتلاشى أحيانا .
 
ومضة :
الفكرة كائن حي ، لا يخلد أمام حركية الزمن .
 أحمد الهلالي

Powered by WPeMatico